لماذا “المجالس العرفية” في المنيا لا تُجدي نفعاً

تتوالى الأخبار عن اضطرابات طائفية جديدة في قرية نزلة جلف بالمنيا . و على الرغم من انه اصبح من المعتاد السماع عن أحداث طائفية فى مصر, لكن الاعتياد يجب ان لا ينسينا ان نهج التعامل مع مثل هذه الأحداث يجب ان تثير فينا قلقاً عميقاً. عندما سمعت عن العنف الذي اندلع بسبب مجرد شائعات عبر الإنترنت، أعادت إليّ ذكريات مؤلمة من فترة حياتى في مصر. لقد غادرت البلاد منذ حوالي إحدى عشرة سنة، ولكن معاناة شعبي المسيحي تظل قريبة من قلبي.

ما يقلقني الآن  تحديدا هو الدعوة  لعقد “جلسة مصالحة عرفية”. فبينما يروج المسؤولون  لهذا النهج غالباً كحل سريع لاستعادة الهدوء، فإن تجربتي وما تعلمته منذ مغادرتي يؤكدان لي أن هذه الآليات الخارجة عن القانون تفشل بشكل أساسي في دعم المسيحيين الأقباط. إنها لا تحقق العدالة ولا تحمي المواطنين من بطش المتطرفين الإسلاميين.

مسار معيب

بالنسبة للضحية القبطي، غالباً ما تبدو جلسات المصالحة هذه التي تُعقد بدلاً من الإجراءات القضائية الرسمية, وكأنها خيانة للنظام القضائي. إنها تخلق وهماً للسلام بينما تعمق الشعور بالظلم.

أسباب كون هذه الطريقة غير فعالة

تجاوز القانون: الاعتماد على قادة المجتمع المحلي ومسؤولي الأمن لحل مسألة جنائية يتجاوز المحاكم  و القانون. وهذا يشير إلى أن العنف الطائفي هو نزاع مجتمعي يجب إدارته، وليس جريمة يجب محاكمتها. هذا يقوض المبدأ القائل بأن جميع المواطنين يجب أن يكونوا متساوين أمام القانون.

نتائج غير متوازنة: غالباً ما تُعقد هذه الجلسات العرفية في جو يفتقر فيه الضحايا المسيحيون وممثلوهم إلى أي صوت حقيقي. تكون الاتفاقات التي يتم التوصل إليها غالباً مخصصة (مفروضة ) وتفرض شروطاً غير عادلة، وتتعارض أحياناً مع الحقوق الدستورية. تصبح الأولوية هي “تهدئة التوترات” بدلاً من إرساء المساءلة.

تشجيع الإفلات من العقاب: بتسوية الأفعال الجنائية خارج المحكمة، يتم حماية الجناة من العقوبة القانونية. عندما لا يُحاسب المسؤولون عن إتلاف الممتلكات أو التهديدات أو حتى الاعتداء بشكل قانوني، فإن ذلك يرسل رسالة خطيرة مفادها أن مثل هذه الأفعال لا تترتب عليها عواقب وخيمة. هذا النمط ببساطة يضمن تكرار العنف الطائفي.

والنتيجة هي أن المسيحيين الأقباط غالباً ما يُتركون بشعور بأن أمنهم وحقوقهم قابلة للتفاوض، بدلاً من أن تكون ضمانة تلقائية للمواطنة.


على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها

يسلط الوضع في المنيا الضوء على الحاجة إلى أن تتخذ الحكومة  المصرية إجراءات أكثر حزماً وأكثر استناداً إلى القانون. وفي حين أن استجابة الشرطة السريعة وإجراء الاعتقالات خطوة إيجابية، يجب أن يُتبع هذا الجهد بالتزام بالعملية القضائية الرسمية.من أجل الاستقرار والعدالة الحقيقيين، يجب على الدولة أن تطبيق سيادة القانون: ضمان محاكمة جميع الأفراد الذين تم اعتقالهم فيما يتعلق بالعنف الطائفي من خلال نظام المحاكم العادي. يجب أن تتحقق العدالة بشكل واضح وحيادي لجميع المواطنين. فلا مكان للتميزوالظلم فى دولة القانون. أيضا يجب التصدي للتحريض, معالجة استخدام خطاب الكراهية والتحريض الطائفي بشكل مباشر، خاصة على الإنترنت، والذي غالباً ما يكون شرارة هذه الحوادث. أن الواجب الأساسي للدولة هو حماية حقوق وكرامة كل مواطن مصري، وضمان حصول المسيحيين على نفس القدر من الأمن والحقوق كبقية مواطنيهم.

لن نتمكن من كسر حلقة العنف في أماكن مثل المنيا إلا عندما يتم تطبيق العدالة باستمرار وعلى قدم المساواة. أملي هو أن تختار الحكومة طريق المساءلة الحقيقية، لتأمين مستقبل من المساواة الفعلية لجميع المصريين و ان تتوقف عن تشجيع الجلسات العرفية  الظالمة التى  تشجع على العنف و تكرار العنف الطائفي.

Published by H.N.AbdelMalek

Fugitive from Pharaoh, servant of God, seeking Freedom and Peace

Leave a comment